فصل: (الأمر الرابع):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.الفصل الثاني: في بيان أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد:

اعلم أرشدك اللّه تعالى أنه لا بد لكون الكتاب سماويًّا واجب التسليم أن يثبت أولًا بدليل تام أن هذا الكتاب كتب بواسطة النبي الفلاني ووصل بعد ذلك إلينا بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل، والاستناد إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم لا يكفي في إثبات أنه من تصنيف ذلك الشخص، وكذلك مجرّد ادعاء فرقة أو فرق لا يكفي فيه، ألا ترى أن كتاب المشاهدات والسِّفر الصغير للتكوين، وكتاب المعراج، وكتاب الأسرار، وكتاب تِستمنت، وكتاب الإقرار منسوبة إلى موسى عليه السلام، وكذلك السفر الرابع لعِزْرا منسوب إلى عِزرا، وكتاب معراج أشعيا، وكتاب مشاهدات أشعيا منسوبان إلى أشعيا عليه السلام، وسوى الكتاب المشهور لأرميا عليه السلام كتاب آخر منسوب إليه، وعدة ملفوظات منسوبة إلى حيقوق عليه السلام وعدة زبورات منسوبة إلى سليمان عليه السلام.
ومن كتب العهد الجديد سوى الكتب المذكورة كتب جاوزت سبعين منسوبة إلى عيسى ومريم والحواريين وتابعيهم. والمسيحيون الآن يدّعون أن كلًا من هذه الكتب من الأكاذيب المصنوعة، واتفق على هذه الدعوى كنيسة ألكريك وكاثلك والبروتستنت، وكذلك السفر الثالث لعزرا منسوب إلى عزرا وعند كنيسة ألكريك جزء من العهد العتيق ومقدس واجب التسليم. وعند كنيسة الكاثلك والبروتستنت من الأكاذيب المصنوعة كما ستعرف هذه الأمور مفصلة في الباب الثاني إن شاء اللّه تعالى، وقد عرفت في الفصل الأول أن كتاب باروخ وكتاب طوبيا وكتاب يهوديت وكتاب وزدم، وكتاب ايكليزيا ستيكس وكتابي المقابيين وجزء من كتاب استير، واجبة التسليم عند الكاثلك وواجبة الرد عند البروتستنت.
فإذا كان الأمر كذلك فلا نعتقد بمجرد استناد كتاب من الكتب إلى نبي أو حواري أنه إلهامي أو واجب التسليم، وكذلك لا نعتقد بمجرد ادعائهم بل نحتاج إلى دليل، ولذلك طلبنا مرارًا من علمائهم الفحول السند المتصل فما قدروا عليه، واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فِقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلثمائة وثلاث عشرة سنة، وتفحصنا في كتب الإسناد لهم فما رأينا فيها شيئًا غير الظن والتخمين، يقولون بالظن ويتمسكون ببعض القرائن، وقد قلت إن الظن في هذا الباب لا يغني شيئًا، فما دام لم يأتوا بدليل شاف وسند متصل فمجرد المنع يكفينا، وإيراد الدليل في ذمتهم لا في ذمتنا لكن على سبيل التبرع أتكلم في هذا الباب، ولما كان التكلم على سند كل كتاب مفضيًا إلى التطويل الممل فلا نتكلم إلا على سند بعض من تلك الكتب فأقول وباللّه التوفيق:
إن لا سند لكون هذه التوراة المنسوبة (25) إلى موسى عليه السلام من تصنيفاته ويدل عليه أمور:

.حال التوراة:

وفيه عدة أمور:

.(الأمر الأول):

ستعرف إن شاء اللّه في الباب الثاني في جواب المغالطة الرابعة في بيان الأمر الأول والثاني والثالث من الأمور التي يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم أن تواتر هذه التوراة منقطع قبل زمان يوشيا بن آمون، والنسخة التي وجدت بعد ثماني عشرة سنة من جلوسه على سرير السلطنة لا اعتماد عليها يقينًا، ومع كونها غير معتمدة ضاعت هذه النسخة أيضًا غالبًا قبل حادثة بختنصر، وفي حادثته انعدمت التوراة وسائر كتب العهد العتيق عن صفحة العالم رأسًا، ولما كتب عِزرا هذه الكتب على زعمهم ضاعت نسخها وأكثر نقولها في حادثة أنتيوكس.

.(الأمر الثاني):

جمهور أهل الكتاب يقولون: إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنفهما عزرا عليه السلام بإعانة حجّي وزكريا الرسولين عليهما السلام، فهذان الكتابان في الحقيقة من تصنيف هؤلاء الأنبياء الثلاثة، وتناقض كلامهم في الباب السابع والثامن من السفر الأول في بيان أولاد بنيامين، وكذا خالفوا في هذا البيان هذه التوراة المشهورة بوجهين: الأول في الأسماء والثاني في العدد، حيث يفهم من الباب السابع أن أبناء بنيامين ثلاثة، ومن الباب الثامن أنهم خمسة، ومن التوراة أنهم عشرة، واتفق علماء أهل الكتاب أن ما وقع في السفر الأول غلط، وبينوا سبب وقوع الغلط: أن عزرا ما حصل له التمييز بين الأبناء وأبناء الأبناء، وأن أوراق النسب التي نقل عنها كانت ناقصة، وظاهرٌ أن هؤلاء الأنبياء الثلاثة كانوا متبعين للتوراة فلو كانت توراة موسى هي هذه التوراة المشهورة لما خالفوها ولما وقعوا في الغلط، ولما أمكن لعزرا أن يترك التوراة ويعتمد على الأوراق الناقصة، وكذا لو كانت التوراة التي كتبها عزرا مرة أخرى بالإلهام على زعمهم هي هذه التوراة المشهورة لما خالفها، فعلم أن التوراة المشهورة ليست التوراة التي صنفها موسى ولا التي كتبها عزرا، بل الحق أنها مجموع من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود وجَمعها أحبارُهم في هذا المجموع بلا نقد للروايات، وعلم من وقوع الغلط من الأنبياء الثلاثة أن الأنبياء كما أنهم ليسوا بمعصومين عن صدور الكبائر عند أهل الكتاب فكذلك ليسوا بمعصومين عن الخطأ في التحرير والتبليغ، وستعرف هذه الأمور في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني.

.(الأمر الثالث):

مَنْ قابل الباب الخامس والأربعين والسادس والأربعين من كتاب حزقيال بالباب الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر العدد وجد تخالفًا صريحًا في الأحكام، وظاهر أن حزقيال عليه السلام كان متبع التوراة فلو كانت التوراة في زمانه مثل هذه التوراة المشهورة لما خالفها في الأحكام، وكذلك وقع في التوراة في مواضع عديدة أن الأبناء تؤخذ بذنوب الآباء إلى ثلاثة أجيال، ووقع في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال: (النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن، وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه) فعلم من هذه الآية أن أحدًا لا يؤخذ بذنب غيره وهو الحق كما وقع في التنزيل {ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى}.

.(الأمر الرابع):

مَنْ طالع الزبور وكتاب نحميا وكتاب أرميا وكتاب حزقيال جزم يقينًا أن طريق التصنيف في سالف الزمان كان مثل الطريق المروَّج الآن في أهل الإسلام، بأن المصنف لو كان يكتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها بعينيه كان يكتب بحيث يظهر لنا كتابه أنه كتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها، وهذا الأمر لا يظهر من موضوع من مواضيع التوراة بل تشهد عبارته أن كاتبه غير موسى وهذا الغير جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهرة فيما بين اليهود، ميز بين هذه الأقوال بأن ما كان في زعمه قول اللّه أو قول موسى أدرجه تحت قال اللّه أو قال موسى، وعبر عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب، ولو كانت التوراة من تصنيفاته لكان عبر عن نفسه بصيغة المتكلم ولا أقل من أن يعبر في موضع من المواضع، لأن التعبير بصيغة المتكلم يقتضي زيادة الاعتبار، والذي يشهد له الظاهر مقبول ما لم يقم على خلافه دليل قوي ومن ادعى خلاف الظاهر فعليه البيان.

.(الأمر الخامس):

لا يقدر أحد أن يدعي بالنسبة إلى بعض الفقرات وبعض الأبواب أنها من كلام موسى بل بعض الفقرات تدل دلالة بينة أن مؤلف هذا الكتاب لا يمكن أن يكون قبل داود عليه السلام، بل يكون إما معاصرًا له أو بعده، وستعرف هذه الفقرات والباب في المقصد الثاني من الباب الثاني مفصلًا إن شاء اللّه.
وعلماء المسيحية يقولون بالظن ورجمًا بالغيب: إنها من ملحقات نبي من الأنبياء، وهذا القول مردود، لأنه مجرد ادعائهم بلا برهان، لأنه ما كتب نبي من الأنبياء في كتابه أني ألحقت الفقرة الفلانية في الباب الفلاني من الكتاب الفلاني، ولا كتب أن غيري من الأنبياء ألحقها، ولم يثبت ذلك الأمر بدليل آخر قطعي أيضًا كما ستعرف في المقصد المذكور، ومجرد الظن لا يغني، فما لم يقم دليل قوي على الإلحاق تكون هذه الفقرات والباب أدلة كاملة على أن هذا الكتاب ليس من تصنيفات موسى عليه السلام.

.(الأمر السادس):

نقل صاحب خلاصة سيف المسلمين عن المجلد العاشر من أنسائي كلوبيدي يابيني (قال دكتر سكندر كيدس الذي هو من الفضلاء المسيحية المعتمدين في ديباجة البيبل الجديد: ثبت لي بظهور الأدلة الخفية ثلاثة أمور جزمًا: الأول أن التوراة الموجودة ليست من تصنيف موسى، والثاني أنها كتبت في كنعان أو أورشليم، يعني ما كتب في عهد موسى، الذي كان بنو إسرائيل في هذا العهد في الصحارى، والثالث لا يثبت تأليفها قبل سلطنة داود ولا بعد زمان حزقيال، بل أنسبُ تأليفها إلى زمان سليمان عليه السلام، يعني قبل ألف سنة من ميلاد المسيح أو إلى زمان قريب منه، في الزمان الذي كان فيه هومر الشاعر، فالحاصل أن تأليفه بعد خمسمائة سنة من وفاة موسى).

.(الأمر السابع):

قال الفاضل (تورتن) من العلماء المسيحية: (إنه لا يوجد فرق معتد به في محاورة التوراة ومحاورات سائر الكتب من العهد العتيق الذي كتب في زمان أطلق فيه بنو إسرائيل من أسر بابل، مع أن بين هذين الزمانين تسعمائة عامٍ، وقد علم بالتجربة أنه يقع الفرق في اللسان بحسب اختلاف الزمان، مثلًا إذا لاحظنا لسان الإنكليز وقسنا حال هذا اللسان بحال ذلك اللسان الذي كان قبل أربعمائة سنة وجدنا تفاوتًا فاحشًا، ولعدم الفرق المعتد به بين محاورة هذه الكتب ظن الفاضل ليوسلن الذي له مهارة كاملة في اللسان العبراني أن هذه الكتب صنفت في زمان واحد).
أقول: وقوع الاختلاف في اللسان بحسب اختلاف الزمان بديهي فحكم تورتن وظن ليوسلن حريان بالقبول.

.(الأمر الثامن):

في الباب السابع والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: (وتبنى هنالك مذبحًا للرب إلهَكَ من حجارة لم يكن مسها حديد) 8: (وتكتب على الحجارة كل كلام هذه السنة بيانًا حسنًا) والآية الثامنة في التراجم الفارسية هكذا نسخة مطبوعة سنة 1839: (وبران سنكها تمامى كلمات إين توارت بحسن وضاحت تحرير نما) نسخة مطبوعة سنة 1845: (وبران سنكها تمامى كلمات إين توريت رابخط روشن بنويس) وفي الباب الثامن من كتاب يوشع أنه بنى مذبحًا كما أمره موسى وكتب عليه التوراة، والآية الثانية والثلاثون من الباب المذكور هكذا نسخة فارسية مطبوعة سنة 1839: (درانجا تورات موسى رابران سنكها نقل نمودكه أن رابيش روى بني إسرائيل به تحريرًا ورد) نسخة فارسية مطبوعة 1845 (درانجابر سنكها نسخة توريت موسى راكه در حضور بني إسرائيل نوشته بودنوست) فعلم أن حجم التوراة كان بحيث لو كتب على حجارة المذبح لكان المذبح يسع ذلك، فلو كانت التوراة عبارة عن هذه الكتب الخمسة لما أمكن ذلك فالظاهر كما قلت في الأمر الرابع.

.(الأمر التاسع):

قال القسيس تورتن: (إنه لم يكن رسم الكتابة في عهد موسى عليه السلام).
أقول: مقصوده من هذا الدليل أنه إذا لم يكن رسم الكتابة في ذلك العهد فلا يكون موسى كاتبًا لهذه الكتب الخمسة، وهذا الدليل في غاية القوة لو ساعد كتب التواريخ المعتبرة، ويؤيده ما وقع في التاريخ الذي كان باللسان الإنكليزي وطبع سنة 1850 في (مطبعة جارلس دالين) في بلدة لندن هكذا: (كان الناس في سالف الزمان ينقشون بميل الحديد أو الصفر أو العظم على ألواح الرصاص أو الخشب أو الشمع ثم استعمل أهل مصر بدل تلك الألواح أوراق الشجر بيبرس ثم اخترع الوصلي في بلد بركمس وسُوى القرطاس من القطن والإبريشم في القرن الثامن وسوى في القرن الثالث عشر من الثوب واختراع القلم في القرن السابع) انتهى كلام هذا المؤرخ لو كان صحيحًا عند المسيحيين فلا شك في تأييده لكلام تورتن.